الموشحات الأندلسية 

نشأة الموشح:

نشأ هذا اللون الشعري في أواخر القرن الثالث الهجري ( التاسع  ميلادي) يعود سبب نشوء الموشحات في ذلك العصر نسبة لحياة اللهو والترف وكثرة الغناء والمعازف والموسيقى في قصور الأمراء والملوك في بلاد الأندلس. ثم شاعت الموشحات لسلاستها ولطف صورها ومطاوعة أوزانها للغناء. فقد أطربت لها الآذان ، وأبتهجت لها الأنفس ، وتغنى بها المغنون .

كان الدافع عند العرب بإنشائها هو امتزاجهم بالأسبان، وتأثرهم بالأزدواج اللغوي العربي واللاتيني في حضانة الطبيعة ببلاد اوروبا .

ما هو الموشح؟

الموشح لغة: 

الموشح من الوُشاح والوِشاح، وهو عبارة عن قلادة مرصعة باللؤلؤ والمجوهرات تتوشح المرأة به ، وهو أيضا عبارة عن نسيج من الجلد مرصع بالجواهر تشده المرأة من عنقها الى خاصرتها .

إذا فالتسمية جاءت تشبيهاً بالزخرفة بين الوشاح والموشح .

الموشح اصطلاحا:

هو كلام منظوم على وزن مخصوص .

اقسام وأجزاء الموشح:

في الكتاب ص  176- 179 

شعر الطبيعة في الأندلس

صفات شعر الطبيعة في الأندلس:

1-   هو شعر يمثل مدى تعلق الشعراء الأندلسيين ببيئتهم واقاليمهم وتفضيلها على غيرها من البيئات .

2-   هو شعر يصف طبيعة الأندلس مثل: الجبال، السماء، الحقول وغيرها .

3-   المرأة هي جزء من الطبيعة ، فكانوا يصفون خدودها مثل الورد وعيونها مثل النرجس .

4-   شعر الطبيعة كان متصلا بشعر الغزل .

جادك الغيث

للسان الدين بن الخطيب

نظّم لسان الدين بن الخطيب موشحته هذه في الغزل ووصف الطبيعة ، ومدح سلطان غرناطة الغني بالله .

الشرح:

1 . جادك الغيث إذا الغيث همى                يا زمان الوصل  بالأندلس

2  .لم يكن وصلك إلا حلما                         في الكرى ، أو خلسة المختلس

سلك ابن الخطيب اسلوب القدامى في الدعاء لزمان الوصل بالخير .فقد اعتاد العرب اذا دعوا بالخير ، سألوا الله للخليفة أن يسقيه من ماء السماء.

سقى الله عهدك كلما هطل الغيث المبارك يا زمن اللقاء مع الأحبة في بلاد الأندلس، وفي هذا يستخدم لسان الدين اسلوبي الدعاء والنداء ( يا زمان الوصل بالأندلس ) والهدف من ذلك هو التمتع والتلذذ بالمنادى .

ثم يتحسّر بقوله " لم يكن وصلك إلاّ حلما " لأن الأيام انقضت كسرعة البرق أو كزوال الأحلام عند اليقظه من النوم ، أو كسارق يفر اثر فعلته ، دون أن يلمحه أحد ، وهذا يدل على انقضاء العز والرفاهية بسرعة .

3. إذ يقود الدهر أشتات المنى         ينقل الخطو على ما يرسم

يبيّن ابن الخطيب أن الزمن والعهد يحقق لهم رغباتهم التي يرغبونها ، وفق ما يرسمونه في حياتهم .

4. زمرا بين فرادى وثنى               مثل ما يدعو الوفود الموسم

تحضر الأماني طائعة مثل الوفود التي تتابع لحضور موسم الحج. استخدم لسان الدين الألفاظ والعبارات الجميلة لملائمة حلاوة الأماني وجمال الرياض ، فهو يطابق بين فرادى وثنى ليفيد حصر حالة الأصحاب في السير .

5. والحيا قد جلّل الروض سنا                  فثغور الزهر فيه تبسم

يبيّن ابن الخطيب كيف أن الغيث نزل على الرياض والبساتين ،  فكساه بالنور والضياء ، فأصبحت الأزهار متفتحة ومبتسمة في ظل الطبيعة الضاحكة المزهرة .

وهذا يذكرنا بقول البحتري:

                      أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكا

                                                        من حسن ابتسامه كاد أن يتكلما 

6. وروى النعمان عن ماء السما      كيف يروي مالك عن أنس ؟

استعمل الشاعر أسلوب التورية (النعمان،ماء السماء) فالمعروف أن ماء السماء هو جد الملك النعمان بن المنذر ملك الحيرة بالعراق ، وقد قصد لسان الدين المعنى البعيد غير هذا الأسم ، وهو شقائق النعمان التي تفتحت نقلا عن ماء المطر ، كما تفتح وتفقه الفقيه مالك – عالم الحديث والفقه - عن والده أنس .

7. فكساه الحسن ثوبا معلما          يزدهي منه بأبهى ملبس

عندما نزل المطر على الروض وتفتحت الأزهار بالوانها الجميلة، فكأنّ الروض لبس ثوبا منقوشا بأجمل الزخارف والألوان .

8. في ليال كتمت سر الهوى          بالدجى لولا شموس الغرر

في ظل هذه الطبيعة الخلاّبة، يتذكر الشاعر لقاءه مع الأحبّة خلال الليالي الجميلة التي كتمت سرهم في الحب والأنُس . فظلام الليل ستر لقاءهم بالظلمة والذي تواجد فيه طلعة الوجوه الجميلة.

استعمل الشاعر هنا أسلوب الطباق ( الدجى – الشموس) والهدف من ذلك أبراز الحسن البالغ للأحباب والتشخيص في قوله: ( ليال كتمت السر الهوى) .

9. مال نحم الكأس فيها وهوى        مستقيم السير سعد الأثر

حفلت هذه اليالي التلذذ بشرب الخمر ، فكان الكأس ينتقل في مجالسهم من يد إلى أخرى ومن فم إلى فم ، حيث هوى مستقيما تاركا أثرا محمودا يبعث النشوة والسرور .

10.وطر ما فيه من عيب سوى       أنه مر كلمح البصر

قضوا في مجالسهم وسمرهم رغباتهم من الحب والسرور. ولم يكن ما يعيب هذا المجالس الا عيب واحد; وهو مرورها بسرعة لمح البصر . استخدم اسلوب القصر بالنفي والإستثناء (سوى) ليفيد الحصر والتخصيص في قصر الصفة على الموصوف وهو مدح شبيه بالذم . شبه الشاعر مرور الوطر (الأماني) وانقضائه بلمح البصر وذلك لتوضيح الأثر الذي تركه في النفس .

11. حين لذّ الأنس شيئا أو كما      هجم الصبح هجوم الحرس

12.   غارت الشهب بنا أو ربما        أثرت فينا عيون النّرجس

حين امتد بنا المجلس وطال بنا اللهو بالشرب والسكر ، الذي اعتبره في نظره لذة ، هجم علينا الفجر كهجوم الحرس على المختلسين . زد على ذلك، كان يتخلل هذا المجلس بالإضافة إلى الخمرة عيون الحسان .هذا الأمر جعل الشهب تغار منا .

 شبه الشاعر عيون الفتيات بزهر النرجس .

13. أي شيء لامرىء قد خلصا     فيكون الروض قد مكّن فيه

إن الحال لا يبقى كما هو ، وأيضا الروض بجماله وبهجته لا يدوم فيه الجمال والنضارة ، وربما يواجه المشاكل التي تؤثر عليه .

14.تنهب الأزهار فيه الفرصا         أمنت من مكره ما تتقيه

الأسطر من (14-17) عبارة عن مقطع واحد ، خصص لوصف الطبيعة في بلاد الأندلس ، فتأثر الشاعر بمناظر الروض الخلاّبة حيث الأزهار ، الماء، الحصى، الورد والنباتات. فشخصها جميعا ، فظهرت رنة موسيقية ترددت في حرف السين. يقول في هذا المعنى إن أزهار الروض استغلت الفرصة في الروض لتعيش حياتها بالتنعم , ولا تخشى مكر الروض أبدا لأنها تنعم بحياة

كلها جمال وتمتع .

15. فإذا الماء تناجى والحصى               وخلا كل خليل بأخيه

16.تبصر الورد غيورا برما            يكتسي من غيظه ما يكتسي

يجري الماء في الروض فوق الحصى، فكأنهما أصدقاء يناجي كل منهما الأخر ويغازله ، عند هذا المشهد نرى الورد تأخذه الغيرة ويكتسي بالغيظ والغضب .

 نرى الشاعر استخدم هنا حسن التعليل  في قوله : " تبصر الورد غيورا برما" فقد فسّر احمرار الورد بإنفعاله نتيجة لغيرته وتبرّمه.

17. وترى الأس لبيبا فهما            يسرق السمع بأذني فرس

أما نبتة الآس فهي ذكية ، إذ ترهف سمعها لتسمع أحاديث الغزل التي تدور في الروض ، وقد شبه الشاعر أوراق الآس بأذني الفرس لطولها ورقة سمعها .

18. يا أهيل الحي من وادي الغضا                   وبقلبي سكن أنتم به

19. ضاق عن وجدي بكم رحب الفضا           لا أبالي شرقه من غربه 

ينادي الشاعر على أهله وقد قصد محبوبته القاطنه في وادي الغضا ، فيقول لها إنك في الحقيقة تسكنين قلبي رغم أنك تسكنين في وادي الغضا .

هذا الحب هو حب خطير أصابني ، وبسبب الحزن لم يستطع ابن الخطيب التمييز بين الشرق والغرب ( مبالغة وطباق ) .

استهل ابن الخطيب هذا المقطع باسلوب النداء مع تصغير كلمة ( أهل) ،"يا أهيل" والهدف من التصغير للتحبب، أمّا النداء فجاء لإظهار الشوق .

20. فأعيدوا عهد أنْس قد مضى            تعتقوا عانيكم من كربه 

شبه الشاعر نفسه بالأسير المقيد الذي لا يستطيع ان يفك قيده ، فيطلب من المحبوبة ان تخلّصه من الأسر والحب ومن الهم الذي أصابه . وهنا يجد قلبه أسير الحب ،وفي هذا القول يؤكد تعلقه بالأحبة.

21. واتقوا الله وأحيوا مغرما                يتلاشى نفسا في نفس

22. حبس القلب عليكم كرما             أفترضون عفاء الحبس ؟ 

يطلب الوشاح من المحبوبة أن تتقي الله وتعيد له الحياة ،لأن جسمه يضعف يوما أثر يوم ، فهو حبس قلبه على حبها ، ولن يحب غيرها . ثم يسألها هل أنت ترضين خراب هذا القلب ؟ " أفترضون عفاء الحبس" ؟

وهنا يظهر العتاب وطلب العطف من الحبيبة.

23. وبقلبي منكمو مقترب          بأحاديث المنى وهو بعيد

يقول للمحبوبة أنت قريبة من قلبي فحبك مستمر في قلبي رغم أنك بعيدة عنى فعلا ، استعمل الطباق هنا ( مقترب – بعيد) لأظهار تعلقه بحبه للأحبة.

24. قمر أطلع منه المغرب           شقوة المغرى به وهو سعيد

يشبه الشاعر الحبيبة بالقمر الساطع الذي يخرج بعد المغرب ، كان هذا القمر سببا في الشقاء والعذاب، ومع هذا فهو يستمر بالسعادة في هذا الشقاء، وهذه صفة الحب العذري.

استعمل الطباق (شقوة وسعد) للتأكيد أنه لا يمل من الحب والعذاب.

25. قد تساوى محسن أو مذنب            في هواه بين وعد ووعيد

يقول للمحبوبة بأنها غير عادلة ، فهي تساوي بين المذنب والمحسن ، اذا فهي ترتكب خطأ عندما تساوي بين الوعد والوعيد . استعمل الطباق بين ( محسن – ومذنب) وبين( وعد- ووعيد) للمعاتبة واللوم .

26. ساحر المقلة معسول اللّمى             جال في النّفْس مجال النّفَس

  هذا القمر  ( المحبوبة) ساحرة العينين جميلة الطلعة ، في شفتيها سمرة مثل العسل، تتجول وتتحرك في النفْس مثل النفَس . استخدم هنا اسلوب الجناس ليضفي نغمة موسيقية للموشحة .

27. سدّد السّهم وسمّى ورمى                       ففؤادي نهبة المفترس...

جعل الشاعر قلبه غرضا للصيد بعد أن سمّى عليه ، ثم رماه فتركه فريسة محطمة يستطيع كل انسان أن ينال منه بسهولة.

استخدم ابن الخطيب ثلاثة أفعال( سدّد، سمّى، رمى) ليستوفي حالة الصيد ويملأ حركة انفعالية. كما واستخدم حرف السين ( سدد السهم ، سمى ) ليضفي تنغيما موسيقيا للموشح.

                                        بقلـم :